الحياة هي نفس الحياة بالنسبة إلي الكل : بحلوها ومرّها.. وقد تتشابه الظروف الخارجية بالنسبة إلي كثيرين. ولكن انفعال البعض بها يختلف عن انفعال البعض الآخر.ونظرة كل من الفريقين تختلف عن الآخر. البعض له نظرة بيضاء. والبعض له نظرة سوداء. وسنضرب أمثلة لذلك في أمور متعددة:
***
النظرة إلي المشكلة:
لا يوجد أحد لا تصادفه مشاكل في حياته. كل انسان له مشاكله. ولكن البعض ينظر إلي المشكلة بنظرة سوداء معقدة كئيبة. كما لو كانت المشكلة بلا حل. ولا مخرج ولا منفذ..
كما لو كانت ألما صرفا وضياعا.. وكأنها مأساة.. وهناك أناس تسبب لهم بعض المشاكل بأمراض صعبة: مثل ضغط الدم. أو مرض السكر. أو قد يصاب البعض بانهيار نفسي. أو بتعب في أعصابه. أو بقرحة في المعدة. وإن كنت المشكلة خطيرة - أو هي هكذا في نظره - قد يقع علي الأرض مشلولا . أو يصاب بذبحة أو بجلطة..
كل ذلك حسب درجة انفعاله بالمشكلة. وحسب مقدار ضغطها عليه.. وشعوره أنه قد أنتهي. ولا خلاص.
***
أما صاحب النظرة البيضاء. فيري أن كل مشكلة لها حل
ويري أن الأمر ليس خطيرا ولا مستحيلا.. وأن الله لابد أن يتدخل في المشكلة ويحلها.. والله عنده حلول كثيرة.
وهكذا تمتزج المشكلة عنده بالإيمان والرجاء.. فبالإيمان يثق تماما بوجود الله أثناء المشكلة. وبيد الله العاملة سواء رأها أو لم يرها.. فلا يأبه بالمشكلة. ولا يدعها تعصره أو تحصره. ولا يسمح للمشكلة أن تضغط علي أعصابه وعلي نفسيته..
بالنظرة البيضاء يقابل المشكلة: ليس فقط بأعصاب هادئة. إنما بشعور أكثر عمقا. يري فيه أن المشكلة سوف تعطيه خبرة بالحياة. وخبرة برعاية الله. وتدريبا علي هدوء الأعصاب والفكر.
كما ستكون المشكلة فرصة له. يلمس فيها يد الله العاملة في حياته. وعناية الله به. وطريقة الله في حل المشاكل..
إن المشكلة واحدة. ولكن تختلف النظرة إليها والانفعال بها. ويختلف وقعها ومقابلتها. اعني يختلف الـ Response.
***
صاحب النظرة البيضاء. كان أكبر من المشكلة
أما صاحب النظرة السوداء. فكانت المشكلة أكبر منه
صاحب النظرة السوداء. لا يبصر الا ما في المشكلة من ألم ومن ضيق وتعب. ولذا يقابلها بخوف وانزعاج. وقد تضغط علي تفكيره فيتوقف. ويترك الأمر إلي أعصابه المنهارة. وقد يصل به الأمر إلي اليأس. وقد يصل به اليأس إلي الانتحار.. أما صاحب النظرة البيضاء. فيضع رعاية الله بينه وبين المشكلة. فتختفي المشكلة. وتبقي رعاية الله هي الظاهرة..
***
صاحب النظرة السوداء. يري أن كل نهار يعقبه ليل مظلم
أما صاحب النظرة البيضاء. فيري أن كل ليل مظلم يأتي بعده نهار مضئ
النظرة السوداء تتعب من كل خطأ موجود والنظرة البيضاء تقول إن كل خطأ يمكن تصحيحه.
***
النظرة إلي المادة
وهي تتناول نظرة الإنسان إلي المادة عموما. وإلي المال. وإلي الجسد. انسان ينظر إلي المادة. كأداة يُخدم بها الله
وآخر ينظر إلي المادة. كوسيلة لإشباع الشهوات!
المادة هي نفس المادة. ولكن نوعية النظرة إليها. تحدد نوعية العلاقة بها والتصرف معها. هل المادة تملكك. أم أنت تملكها؟!
والمال هو نفس المال. ولكنه في يد البعض يستخدمه للخير. وهو في يد الغير يهلكه! لأن نظرة الواحد إليه غير نظرة الآخر . نفس الوضع بالنسبة إلي الجسد. يستخدمه البعض في الركوع والسجود وخدمة الله. وخدمة المجتمع. بينما ينظر إليه البعض كأداة لإشباع شهواته. وكأنه شر في ذاته. وعنه تصدر خطايا عديدة.
***
كذلك تختلف النظرة إلي الشئ من حيث الاعتقاد فيه:
هل هو محلل أم محرم أم نجس..
* إن نظرة المسلم إلي الخنزير. من حيث أنه نجس ولا يجوز أكله. غير نظرة إنسان آخر لا تحرم عقيدته أكل لحم الخنزير..
* نفس الوضع تقريبا بالنسبة إلي التدخين وشرب الخمر. إنسان يكره رائحة السيجارة ولا يطيقها. ويكاد يختنق من رائحتها ولو بعيدا. هذا غير شخص آخر مدمن للتدخين.
وما يقال عن التدخين يقال عن الخمر بشتي أنواعها..
* أيضا نظرة الرجل إلي النساء. سواء إلي المحرمات منهن. أو إلي المرأة العادية. نظرة رجل إلي امرأة انها محرمة عليه من جهة نوع القرابة أو النسب. غير نظرته إلي امرأة ليست من المحرمات.
إن يوسف الصديق لم يستطع أن يقترب من امرأة سيده - علي الرغم من طلبها ذلك منه - ذلك لأن عقيدته لا تسمح له بالاقتراب من امرأة رجل آخر.
يمكن أن نطبق مثل هذه النظرة علي كل المحرمات من الخطايا.